المستخلص: |
لقد ولد إذن الناجم في بيت يتأرجح بين الحرية و الانعتاق و العبودية حتى وإن لم تكن هذه العبودية مباشرة. فلقد ظلت عائلته مرتبطة بأسيادها ماديا و رمزيا تخدمهم، و حتى في وظائفها ظلت رهينة و مرتبطة بوضعية العبد في المجتمع التقليدي. إن الانعتاق من وضعية العبودية في الجنوب لم يكن يمنح صاحبه هامشا كبير من الحرية خاصة على مستوى وضيعته المادية والمعنوية، فهو أمام وضعيته الفقيرة وعدم قدرته على مواجهة أعباء الحياة بمفرده يضطره إلى البقاء تحت رحمة وسلطة أسياده وفي أحسن الأحوال ممارسة أنشطة لصيقة بفئة معينة داخل المجتمع في إطار تقسيم وظيفي - سلالي للمهام تجعل العبد حتى وإن كان محررا في أسفل الهرم الاجتماعي ومهدد دائما بالعودة إلى حالة الاسترقاق في مجتمع يكاد لا يرى الإنسان الأسود إلا في وضعية كهذه بتتبعنا بدايات مسار الناجم نلاحظ أنه ظل يتأرجح في هذه الفترة من حياته حتى شبابه بين وضعية الخدمة و السقوط في العبودية. إن انخراط الناجم في الجيش كان هو السبيل الوحيد لترقيته، ولكن لاه الترقية ظلت رهينة بخدمته وتفانيه في خدمة أسياد من نوع جديد. فهو أصبح في خدمة قواد ووزراء وسلاطين يستغلون قدراته الحربية وقوته معرضا نفسه للهلاك في سبيل تحقيق أهداف لا تعنيه مباشرة. وهي للتذكير وظيفة امتهنها أسلافه وهم عبيد في خدمة أسيادهم كمحاربين ضد القبائل. وهذا التوظيف للعبيد في الحرب لم يكن محصورا على المغرب، ففي أمريكا اللاتينية وظف العبيد في الحرب لقمع التمردات والنهب واسلب والقتال في مصلحة أسيادهم( ). ولان قدر العبيد في كل البلدان كان هو الخضوع من أجل التحرر كما عنون بذلك مقاله حول حالة عبد تركي في اسبانيا "الخصوع من أحل الحرية"( ) Se soumettre pour se libérer. إن تجربة و مسار الناجم يكسر "القاعدة"، هذه الممارسة الاجتماعية المعيارية التي لا تحتاج أن تبرر أو تشرح عقلانيا، إنها وليدة تربية وتنشئة اجتماعية تحدد السلوكات والتصرفات. ولقد قام الطوزي في كتابه "الملكية والإسلام السياسي"( ) بإعطاء نموذج لحالة فرد من إليغ ينحدر من عائلة عبيد لدار إليغ. وكيف أنه انخراط في تجربة مهنية قادته إلى أن يصبح خبيرا في الزراعة مع فريق بول باسكون بموريتانيا ومالي وقيامه بفريضة الحج مع ما حمله للقب حاج. ولكن الخبير الحاج ما أن عاد إلى إليغ حتى عادت القاعدة تأسره رغم محاولة وتصميم على تجاوز علاقات وروابط الماضي والاستفادة من تجربته الجديدة، لقد أعادته القاعدة المحلية إلى واقع الماضي (46-47-48) هذه القاعدة هي التي سنجدها حاضرة بقوة في مسار الناجم فهو في جل مراحل حياته وفي توقه للتحرر من ماضيه وماضي عائلته يصطدم بمواقف وممارسات تحاول إعادته إلى "مكانته الطبيعة" حسب "القاعدة". ولكن رغم هذه العوائق فإن الناجم، الفرد الذي انطلق من أقصى سوس في وضع، دوني فقيرا في خدمة أسياده، نجح في مخالطة رجال زمانه، بدءا بالقواد والوزراء وانتهاء بالسلطان هل استطاع أو نجح في كسر القاعدة والتحرر من المحددات الاجتماعية التي تجعله في مرتبة دنيا بحكم أصوله الاجتماعية؟ نميل إلى الجواب بالإيجاب. فالناجم خاض تجربة فريدة لفرد انتقل من العبودية إلى القيادة، ورغم ثقل التقاليد والقاعدة نجح في رسم مساره بقوة شخصيته ومؤهلاته الفردية المكتسبة. قلنا نميل، لأننا لاحظنا أن الناجم توفي في وضع مزري، مريض معزول ومجرد من ممتلكاته ومحتقر، ونظن أن وضعه السابق ولون بشرته السمراء لهما دور في هذا المصير بقي في الأخير أن نشير أنه لا توجد عبودية مطلقة للعبيد وتحرر مطلق في البلدان الإسلامية، فتحرير العبيد الذي جاء بعد مرحلتي الاستعمار والاستقلال لم يلغ شروط العبودية بالنسبة لهؤلاء تماما. كما أن الحالات التي لازلنا نرى فيها أوضاع شبه عبودية أو تبعية لا تعني دائما عبودية، لأن لهذه اللفظة ثقلا كبيرا قد لا ينطبق على تلك الحالات، لذا فمن الأرجح استعمال مصطلح أشكال التبعية القصوى Formes extrêmes de dépendance كما أصبح مستعملا في الكتابات الأكاديمية الحالية( )، وهو ينطبق على الناجم في بداية مشواره وعلى العديد من أمثله إلى حد الآن في بلدان أخرى كموريتانيا مع حالة الحراطين( )، فلا توجد عبودية بالشكل الذي كان سائدا ولكن قد توجد أشكال من التبعية القصوى لبعض الأفراد المنحدرين من هذه الفئات وحتى أشكال جديدة من العبودية( ).
|