المستخلص: |
مع تزايد الأجندات «التفتيتية» التي باتت تهدِّد الأمة على كافة الأصعدة والمستويات عبر عدد من اللاعبين الدوليين والإقليميين؛ الذين تتقاطع أو تتكامل وربما تتعارض استراتيجياتهم إزاء الأمة ومقدراتها. باتت الحاجة مُلِحة إلى بلورة دور جديد لمصر «القائد» ك«لاعب محوري» لا يمكن تجاهله للعمل بصورة «مضادة »لتلك المخططات والاستراتيجيات «التفتيتية» التي تُحاك خيوطها ليلاً ونهارًا دونما خفاء أو مواربة. لتنطلق مصر كقاطرة «تجميع» و«تركيز» لجهود الأمة؛ سعيًا نحو إيجاد واقع دولي جديد تتبوأ فيه الأمة الإسلامية مكانتها المستحقة وموقعها المأمول في عالمٍ بات لا يتعاطى بغير لغة القوة والمكانة والنفوذ. فالدولة «القائد» هي التي تأخذ على عاتقها مهمة صُنع الوعي الجماعي، وتعميق الولاء لهذا الوعي، فضلاً عن قيامها بمهمة ترشيد الدول الإقليمية الأخرى وتوجيهها فكريًّا وحركيًّا نحو الاقتناع بالعمل المشترك، والوحدة السياسية بمختلف درجاتها. ويرتبط ذلك بما تحوزه نلك الدولة من محددات الثقل الإقليمي النوعي كمًّا وكيفًا، ويقصد بالكمّ المقومات الديموجرافية، بينما يقُصد بالكيف المقومات الحضارية . ومن ثمَ يمكن وصف مصر بالدولة «المحورية» الأبرز في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وفقًا لتعريف «بول كينيدي»؛ لاعتبارات تتعلق بالحجم السكاني والموقع الجيواستراتيجي، إضافة إلى الثقل الاقتصادي والثقافي والسياسي. ويمكن القول: إن دور مصر الإقليمي قد بدأ يتقلص خلال العقدين الأخيرين بصفة عامة لحساب أدوار أخرى مناوئة أو منافسة، ويرجع ذلك إلى طائفتين من المعوقات: أولهما خارجي، قد لا نعوِّل عليه كثيرًا في التحليل، ليس تقليلاً من أهميته بقدر ما هو إعلاء لأهمية ما يليه. وثانيهما داخلي، وهو ما يتطلب وقفة جادة إذا كانت هناك نية وإرادة لاستدراك هذا التراجع، واستعادة ذلك الدور المفقود، لمصلحة مصر بالدرجة الأولى قبل أن يكون لمصلحة الأمة الإسلامية. وهنا تأتي إشكالية البحث عن آليات فاعلة للتعامل مع تلك المعضلة؛ إذ ليس من المتصور في العلاقات الدولية أن يتخلى الفاعل الدولي - أيًّا كان- عن دائرة اهتمام ما، يكون هو قائدها ومحور تفاعلاتها، لصالح دوائر أخرى قد لا يتجاوز دوره فيها عن «التابع» أو «الحليف» على أفضل تقدير.
|