المستخلص: |
لقد شهد التاريخ صعودًا لقوى كبرى ظهرت في بقع جغرافية بعينها قبل أن تتوسع في جوارها الجغرافي لتعبر البحار والقارات حتى تمدد سيطرتها إلى أقصى حيز ممكن؛ وهو مثال تكرر تاريخيًّا منذ عصر الإمبراطورية الرومانية، مرورًا بالإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية، وصولاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عصرنا الراهن. ومثلما عرف التاريخ صعود الأمم فقد عرف هبوطها أيضًا، وهكذا ينشغل العلماء من قديم الأزل باكتشاف عوامل صعود وهبوط القوى الكبرى، وتحديد صيرورتها التاريخية، وهو ما يعرف باقتراب تحول القوة في العلاقات الدولية Power Transition. وتهدف هذه الدراسة إلى بحث ظاهرة تحول القوة في العلاقات الدولية من منظور قيمي لصالح قوى جديدة صاعدة تحمل أبعادًا قيمية قد لا تتفق بالضرورة مع قيم القوة التقليدية المهيمنة والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتمثل المشكلة البحثية للدراسة في تساؤل رئيس ألا وهو: كيف يمكن للقوى الإسلامية الاستفادة من ظاهرة تحول القوة في العلاقات الدولية؟ وتستخدم الدراسة اقتراب تحول القوة Power Transition لتحليل ظاهرة صعود وهبوط القوى في العلاقات الدولية والأطر النظرية المفسرة لها، مع التطبيق على دول مجموعة البريك BRIC الأربع (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين) التي تعد الدول الأسرع نموًا في العالم وفقًا للتقديرات الدولية، وذلك بغرض الاستفادة من تجربة صعود تلك القوى إسلاميا بما يحقق رقي الأمة وتقدمها وريادتها حاضرًا ومستقبلا، مع احتفاظها بثوابتها العقدية وخصوصيتها القيمية. فلقد أدركت قوى (البريك) أن التنمية القائمة على مفاهيم العولمة التي قدمت كحل لمشاكل الدول النامية أو المتخلفة، ليست إلا الوجه الآخر لتغريب العالم وفقًا للنموذج القيمي الأمريكي المعاصر، ومن ثم فقد سعت تلك القوى إلى كسر هذا المنظور التغريبي المعولم بأن شقت لنفسها سبياً تنمويًّا يحتفظ بخصوصيته القيمية ولا يتماهى مع قيم الآخر السائد أو المهيمن. وهذا ما يجب أن تأخذه الأمة الإسلامية في اعتبارها؛ حيث إن طبيعة الإسلام كدين من ناحية وطبيعة النسق القيمي المنبثق عنه من ناحية أخرى تفرضان البحث في ظاهرة تحول القوة في العلاقات الدولية من منظور قيمي إسلامي؛ اتساقًا مع خصوصية الرسالة من جهة، وخصوصية الأمة من جهة أخرى.
|