المصدر: | الأثر |
---|---|
الناشر: | جامعة قاصدي مرباح - ورقلة |
المؤلف الرئيسي: | كلثوم، زنينة (مؤلف) |
المجلد/العدد: | ع 16 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
الجزائر |
التاريخ الميلادي: |
2012
|
الشهر: | فيفري |
الصفحات: | 151 - 160 |
ISSN: |
1112-3672 |
رقم MD: | 456814 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
اللغة: | العربية |
قواعد المعلومات: | AraBase |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
المستخلص: |
تتمحور مداخلتي حول متابعة دور لسانيات النص في تتبع المعاني والدلالات داخل البنية النصية للروايـة بعـدها واحدة من محاضن التصورات المختلفة للعالم، وذلك عبر تقديم قراءة لبعض الخيارات على مستوى اللغة ودلالاتها المختلفة فـي روايتـي (ذاكـرة الجسـد وفوضـى الحـواس لأحـلام مسـتغانمي) سـعيا لرصـد مفهـوم رؤيـة العـالم بعـده مصـطلحا فلسفيا أولا تداوله معظم الفلاسفة المعاصرون، وتحديدا دلثاي، غير أن فهمه واتخاذه آلية لتفسير علاقات الإنسان بالوجود ومواقفه من التاريخ والزمان، ثم ارتباطه بالمكان قد اختلـف بـاختلاف توجهـات كـل ناقـد. غيـر أن الأمـر الـذي لا خلاف فيه هو أن اللغة هي القادرة على ترجمـة مختلـف الـرؤى والأفكـار، إنهـا خيـوط نسـج للـنص خارجيـا وهـي فـي الآن نفسه منطقه الداخلي، وحاملة معانيه ودلالاته. ومنطق النص الداخلي هـو منطـق اللغـة بوصـفها إنتاجـاً للمعنـى، ومنطـق اللغة هو تلك المبادئ والأسس والعلاقات القابلة لا لإنتاج معاني مختلفة فحسب، بل لإنتاج منظومات فكرية وأيديولوجية مختلفة لكل منها منطقها الخاص المستند إلى منطق اللغة العام. وتلك الإيديولوجيات هي رؤيته للعالم وموقفه منه. تعتبر الرواية هي الجنس الأدبي المعاصر بامتياز، فقد احتلت مساحة واسعة من اهتمام النقاد، والاتجاهات النقدية المعاصرة، لما لها من قـدرة على استثمار المواد الابداعية؛ اللغة والأسلوب والأفكار، والعواطف، وتصوير للشخصيات وعرض مواقفها من المجتمع والحياة، وعلاقاتها بجميع المستويات الثقافية والأخلاقية والدينية والسياسية.....، ولكن قبل هذا وذاك، فالرواية نـص أدبي، أي أنه نسيج لغوي كما ذهب إلى ذلك معظم النقاد المعاصـرون؛ كريستيفا، وبارث في تعريفهم ؛ "كلمة نص texte تعنـي نسيجا tissu، لكن طالما تم حتى الآن اعتبار هذا النسيج على أنه منتوج وحجاب جاهز يكمن وراءه مختفيا، نوعا ما، المعنى (الحقيقة)، فإننا سنشدد الآن داخل النسـيج علـى الفكـرة التوليديـة القائلـة إن النص يتكـون ويصـنع نفسـه مـن خـلال تشابك مسـتمر، والـذات الضـائعة فـي هذا النسيج -هذا النسج- تتفكك كأنها عنكب يذوب من تلقاء نفسه داخل الافرازات المشيدة لشبكته. ولو أحببنا عمليات استحداث الألفاظ Neologismes لاستطعنا أن نعرف نظريـة الـنص بكونهـا علـم نسـيج العنكبـوت Hyphologie"(1)، فكل رواية هي نص، إذن فهي نسيج متشابك من المكونات السردية التي تحملها اللغة، لأن اللغة هي خيوط هذا النسيج الفني، ومادته الخام، حاملـة معانيـه، وحاجبتهـا فـي الآن نفسـه، تغـري القـارئ بظهورهـا المتسـتر، وتـراوده علـى نفسـه لـيلج عالم النص برغبة عارمة للوقوع في ملذاته وطابوهاته المتسترة بخيوط رفيعة تجعل القارئ يشعر أنه في حلم، يرى أشباحا تتناوبه بين الوضوح والتخفي، بشخصيات خيالية تشبه الواقع أكثر من الواقع نفسه، وأحداث تتحرك نحو المسـتقبل المنتظر لا المفترض...إن الروايـة مكسب إبداعي، وٕإنسـاني، لما لها مـن قدرة على فـتح قنوات التواصل بين المكونات السردية داخل النص في حـد ذاتـه؛ الشخصـيات، الوصـف المكـاني، والسـيرورة الزمنيـة، البنـاء اللغـوى والحـوار، أو بين المبدع والمتلقي الذي يجد نفسه أما آفاق واسعة للتعاطي مع النص والنفاذ إليه مـن عـدة مـداخل يتـوفر عليهـا أي نص سردي، ذلك أن الرواية تعد "أكثر الأجناس الأدبية قدرة على تحقيق التواصل وٕإشاعته على نطاق واسع......تتحمل الهيئات السردية بدءا بالراوي الخيالي، فالمروي له فالممثلين، أعباء التلفظ والتواصل السردي من أجل تحقيق المسارات السردية ومقاصدها وغاياتها."، فلكل عمل روائي مقصد وغاية يجري إلى تحقيقها، ومعتمدا على ما يتوفر له مكونات سردية يكون للمبدع، أو المؤلف فضل النسج لخيوطها وقصد الربط لمسارات تواصلية بينه وبين الملقي الذي يبدأ معه النص الرحلة الثانية، في سبيل رصد المعنى وٕإنتاجه، لأن المبـدع أو المؤلـف لا يملـك القـدرة علـى إنتاج معنى للنص بعيدا عن القارئ، حيث أن عملية القراءة إنما هي "نشاط إنتاجي يقـوم أساسـا علـى فعـل بنـاء المعنـى ،لذلك تجمع أدبيات القراءة على الدور الهام الذي يضطلع بـه القـارئ فـي هـذا النشـاط مـادام الأمـر لا يقتضـي اسـتخلاص معنى موجود مسبقا، وٕإنما المراد هو منح القارئ معنى حيا لهذا النص اعتمادا على جرد المؤشرات النصية وعلى وضـع فرضيات حول دلالة ممكنة من دلالته، ثم القيام بـالتحقيق مـن هـذه الفرضـيات فـي الـنص". هـذا لأن الـنص الأدبـي ،والروائي تحديدا لا يحمل معنى واحدا واضحا، ولا تحيل بنياته السردية ومكوناتها إلى دلالة أحادية بـل إلـى بنيـات دلاليـة يضطلع القارئ بتأويلها وتقديم تفسير وقراءة محتملة لها، فتختلف القراءات والتأويلات باختلاف القراء. ولعل ما يمنح القارئ هذه الصلاحيات في قراءة النصوص الروائية هو خصوصيتها الإبداعية وذلك في اعتبارهـا نوعا من الكذب الجميل، والكاتب "إنسان يعيش على حافة الحقيقة لكنه لا يحترفها بالضرورة، ذلك اختصاص المـؤرخين لا غير....إنه في الحقيقة يحترف الحلم.... أي يحترف نوعا من الكذب المهذب، والروائي الناجح هو رجل يكذب بصدق مدهش، أو هو كائن يقول أشياء حقيقية...." ، يتداول هذا التعريف كثيرا عند محاولة وضع مفهوم عام للسرد الأدبي وفيه إشارة إلى البنية الخارجية للنص السردي والنسيج الـداخلي له أي صدق الخبر الذي ينقله ومدى مطابقته للواقع، مطابقة زمانية أو مكانية، أحداثا وشخصيات. ومقارنتها بقدرات الكاتب على استخدام البنى اللغوية والأسلوبية لبناء عالم خاص داخل نصه يوازي الواقع أو يناقضه، يعالجه، وينتقده، يعكس صورته في نظر المؤلف ،وموقف الجماعة منه، لأن الرؤية والموقف الذي غالبا ما تتخذه الرواية من العالم أو المجتمع إنما هو رؤية جمعية تشير إلى موقف "نحن" رغم أنها تـأتي علـى لسـان "الأنـا" الفـرد الـراوي، لكنهـا فـي الحقيقـة تتحـدث بصـوت مجتمـع كامـل ،ويعبر عن واقع جيل أو كتلة سياسية، أو مذهب ديني، وربما تيار فكري، أو حتى وطن بأكمله...، ومع ذلك فبنية الرواية مهما كان موضوعها ورسالتها، فهي إنما تلاعب الروائي باللغة، فالنص الأدبي هو نسـيج مـن الأداء الـذي تنتجـه اللغة كـأداة تحـدد تشـكيلته و معماريتـه كآليـة لإنتـاج المعنـى، أي أن اللغـة تـأتي بمثابـة الأداة لهـدف الوصـول إلـى الدلالـة التي تظل محدودة وغير منجزة ما لم يتم ربطها بالسـياق الاجتمـاعي الـذي ولـد الـنص. مـن هـذا المطلـق تعـددت المنـاهج النقدية في محاولة قراءة النصوص السردية باحثة داخل العمل الروائي عن المعنى أو الدلالة التـي يحيـل إليهـا، وتعـددت بذلك أدوات كل منهج واختلفت منطلقاته، رغم أن هدفها واحد. |
---|---|
ISSN: |
1112-3672 |