المستخلص: |
إن من أهم ما يمكن الحديث عنه من نتيجة البحث هو أن اللغة لا تتميز بخضوعها التام للقواعدية، ذلك أن اللغة على امتداد عصور استعمالها تسير في طرائق شتى، وأما القواعد فإنها تتميز بافتراض لحظة الثبات الاستعمالي الظاهري الذي توضع القواعد انطلاقا منها، ومن هنا فإن عددا ليس هينا من الاستعمالات لا تأخذ هذه اللحظة المفترضة بعين الاعتبار، بل إنها تبدو غير منسجمة مع القواعد على الإطلاق، ولكن الرغبة الملحة في التقعيد هي التي تحاول فرض القواعدية عليها، وقد يبدو هذا السلوك من هذه الاستعمالات التي لا يمكن أن تكون قليلة مخيبا لآمال المتمسكين بالقاعدة؛ بسبب هذه المخالفة، ووفقا لهذا فقد حاولوا فرض القواعدية عليها، ولما لم يتسن لهم ذلك، انهمكوا في البحث عن تفسيرات تخضعها للغة لا للقاعدة، كالضرورة أو الشذوذ ، وبلغ بعضهم ذروة التمسك بالقاعدة حين عدوها من اللحن أو الخطأ في اللغة. كما يمكن القول إن في مبحث الضرورة التفاتا طيبا نحو ما نسميه ( المتبقي) غير أن تمسك العلماء بخصوصية هذه الضرائر فى باب لغة الشعر هو الذي أبعدهم عن التعبير عنه بهذا المصطلح أو أي مصطلح قريب منه، وقد جاء كثير من استعمالات ما أطلقوا طيه مصطلح الضرورة في سعة الكلام، مما ينفي عنه سمة الضرورة، وقد رأينا بعضهم يتجاوز عن اللغة في سبيل القاعدة عندما عدوا بعض الاستعمالات الموثوقة من اللحن كما في قراءة إشباع (أفئيدة) وهي قراءة قرآنية صحيحة الرواية. ومن هنا فقد رأينا أمثلة على حذف الحركة من الكلام مما أطلق عليه مصطلح تسكين المتحرك، كما رأينا حذف مقطع أو أكثر منه في باب الترخيم وغيره، وهو حذف لا يخضع للقواعد التركيبية، وإن كان له جوانب دلالية مرتبطة بالتركيب. كما تفيد هذه الدراسة أن من يتكئ على القواعدية كما هو الحال عند أتباع المدرسة التحويلية في أغلب حلقاتها لا يمكنه أن يفسر سبب خروج هذه الأنماط على القواعد، أو كيفية إخضاعها للعوامل ( الضبط والربط ) ، إذ إنها غير ملتزمة بالنظام اللغوي، ولذا، فقد انحازت إلى الأنماط التي يعتمد فيها على الاستدعاء والحفظ، وهو أمر لا يعتمد على النظام اللغوي، بل على الذاكرة اللغوية، على الرغم من أنه جزء أصيل من اللغة، بعيدا عما يدعي (النحو القواعدي). ومن الممكن ان يكون بعض انماط المتبقي قد وصل إلى الاستعمال المحفوظ من حلقة من الحلقات التي أوقفها التطور التركيبي للغة العربية وهو أمر تم لظروف خاصة باللغة العربية، وهو نزول القرآن الكريم ممثلا للمستوي التركيبي الذي كانت عليه الفصحى وقت نزوله، ثم منع هذا الأمر من التحرك النحوي للغة وأما هذه الأنماط التي تقع في (المتبقي) فهي أنماط جاءت من مرحلة سابقة أو أنها من مرحلة أوقفها نزول القرآن ولم يمكنها من أن تبلغ مداها المطلق.
|