المستخلص: |
نخلص مما سبق إلى اختلاف المنظومة القيمية في المجتمعات الغربية عن تلك الشرقية للبون الشاسع والتباين في المعالجة الفكرية والنظرية لكل. مع ضرورة مراعاة التالي: (1) يجب الاهتمام بتحديد المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في تحليل المنظومة القيمية فإن تداخل المفاهيم بين الفضائل والقيم والأخلاق والمثل (virtues, values, morals, Ethics)، يورث خلطا في الاستخدام وتضارب في المعاني يعيق التحليل. (2) في الفكر الغربي تختلف النظريات المعالجة لمفهوم القيم باختلاف التخصص العلمي المعالج لها من فلسفة أو علوم اجتماعية متباينة. (3) كما تختلف النظريات المعالجة للقيم؛ بحسب اختلاف الاتجاه الفكري المحلل، والذي نتج عنه تباين في تحديد مفهوم القيم من معيارية إلى مادية، ومن مطلقة إلى نسبية، ومن اعتبارها إلزاما اجتماعيا إلى تطبيقها بحسب الحرية الفردية. ومن اعتمادها حينا بحسب المصلحة المجتمعية العامة إلى تجزئتها حينا آخر لتوائم المصالح الفردية. (4) إن الرؤية الشاملة المبنية على ثلاثية الكون والإنسان والمجتمع والتي يعالج بها المنهج الإسلامي منظومة القيم المراعية في تحقيقها مصلحة الفرد واستجلاب المنفعة له دون إغفال للمصلحة العامة، والمراعية لمكونات الإنسان المادية الجسدية والمعنوية الروحية، والمحققة للمعادلة ما بين حسن المعيشة في الدنيا وحسن الخاتمة الأخروية كفلت نسقا قيميا منسجما ومتماسكا يلبي كافة الاحتياجات ويغطي كافة المناحي ومع ذلك يملك المرونة ما بين تحقيق الإلزام والالتزام المستمر وما بين فسحة الخيار والحرية. (5) إن المعالج لمنظومة القيم يجب أن يفرق تماما بين الاتجاهين المعالجين لهذه القضية فلا مشابهة بينهما. فلا يصلح إذا لتحليل النسق القيمي في المجتمعات الإسلامية استخدام المنظور أو الأدوات الغربية المعالجة. (6) إن تماسك المنظومة القيمية واستمرار الالتزام بها وفعالية إسهامها كآلية ضابطة في المجتمع يعتمد في المقام الأول على قوة إيمان الممثلين للمجتمع أفرادا وجماعات، وتحقيق قيادات المجتمع لمبدأ القدوة المثلى ودرجة التزامهم وتمثلهم منظومة القيم المجتمعية، ذلك أن القدوة هي المثال الحي المباشر لا على جدوى الإطار الفكري وجودة المعايير الأخلاقية وإنما على إمكانية تطبيق هذه المعايير القيمية في الواقع وتمثلها في الحياة والتعايش معها وبها وفيها بصورة تحقق السعادة الدنيوية والأخروية، فقد بات داء المجتمعات المسلمة مؤخرا الانفصال التام عن منظورهم الفكري وواقعهم وسلوكهم المعاش الأمر الذي يضرب أسوأ مثال للأجيال الناشئة ولا يشككهم فقط في عدم القدرة على تطبيق المنهج الإسلامي بل يشككهم في مدى صلاحيته وملاءمته للتمثل به ومعايشته في الأزمنة الحاضرة. لذلك علينا حقيقة الانتباه إلى تمثل القدوة الحسنة بالإضافة إلى تفعيل المؤسسات المعنية في المجتمع سواء كانت رسمية أو طوعية واستخدامها لآليات التنشئة الاجتماعية والرقابة الذاتية والخارجية.
|