ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







من نظرية المعرفة إلي الهرمنيوطيقا

المصدر: مجلة آداب النيلين
الناشر: جامعة النيلين - كلية الآداب
المؤلف الرئيسي: حسن، مجدي عز الدين سعد (مؤلف)
المجلد/العدد: مج 1, ع 3
محكمة: نعم
الدولة: السودان
التاريخ الميلادي: 2011
الشهر: أكتوبر
الصفحات: 101 - 154
DOI: 10.33914/1312-001-003-004
ISSN: 1585-5523
رقم MD: 521783
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: AraBase
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

116

حفظ في:
المستخلص: شهد تاريخ الفلسفة في مسارات تحوله من الفلسفة الحديثة إلى الفلسفة المعاصرة نقلة نوعية أسهمت فعلياً في هذا التحول تمثلت في الانتقال من نظرية المعرفة إلى الهرمنيوطيقا. يبين لنا هذا المقال هذه النقلة المهمة. بهذا التحول تصدرت "الهرمنيوطيقا" مكاناً رفيعاً في الفلسفة المعاصرة، بل يمكننا القول بأن الفلسفة المعاصرة على اختلاف تياراتها ومدارسها قد مارست التأويل بامتياز، وهو الشيء الذي يجعلنا ننظر إليها على اعتبارها فلسفة تأويلية في الأساس. إن الهرمنيوطيقا لا تبحث عن تأسيس صروح فلسفية، كما كان الحال مع الفلسفة الحديثة، بقدر ما هي فلسفة مختلفة تمارس التأويل بامتياز، الهرمنيوطيقيا تجسد فكرة التحول في الفلسفة المعاصرة حيث أصبح التأويل وقضاياه موضوعاً للفلسفة منذ نهاية الفلسفة الحديثة وبداية الفلسفة المعاصرة، وتحديداً منذ الفيلسوف الألماني نيتشه الذي عبر عن هذا التحول في عبارته الشهيرة -والتي أصبحت المرتكز الأساسي الذي بنيت على أساسه كل الفلسفة المعاصرة بكافة تياراتها المختلفة – "لا توجد حقائق وإنما فقط تأويلات". تمردت الفلسفة المعاصرة بألوان طيفها المختلفة على نموذج نظرية المعرفة الذي تبنته الفلسفة الحديثة والقائم على إمكانية تأسيس المعرفة الإنسانية على أساس يقيني أسوة بالنموذج المعرفي السائد في العلوم الطبيعة. حيث لم تعد الفلسفة المعاصرة شديدة الحماس للأسئلة التقليدية التي كانت تطرحها نظرية المعرفة وخاصة سؤالها عن إمكانية المعرفة اليقينية، إذ لم يعد لهذا السؤال شرعية مع الفلسفة المعاصرة وفي ظل كل هذه التطورات، أضحى الكلام عن نموذج المعرفة القائم على "التأويل" نموذج معرفة لا يدعي بأي حال اليقين، بل أنه يتأسس على معرفة احتمالية نسبية قابلة للتطور والتعديل والحذف والإضافة باختصار معرفة ليست لديها قدسية بل هي باستمرار قابلة للتأويل وإعادة التأويل. إن ما تود الهرمنيوطيقا لفت الانتباه إليه هنا إنما يتمثل في تجاوز المعرفة كإشكالية أبستمولوجيا لا هم لها إلا محاولة إيجاد الطريقة المثلى التي يمكن بواسطتها الحديث وبكل ثقة عن تطابق بين الذات وموضوع معرفتها وهو الأمر الذي جعل نظريه المعرفة -بشقيها العريضين المثالي والتجريبي -تقع في فخ التلفيق ووهم الموضوعية العلمية. فهنا لا وجود ليقينية للفهم نستطيع من خلالها القبض على المعنى أو استعادة المعنى الاول، إن وجد، كما تزعم نظرية المعرفة. فالتأويل دوماً منفتح على الاختلاف والضدية والتعددية على مستوى المعنى والدلالة والفهم والحقيقة. ومن جهة أخرى فإن نموذج المعرفة (اليقينية) أي تلك المعرفة التي لا سبيل للشك فيها، هو نموذج كانت له سيادة مطلقة في مرحلة مضت من مراحل تطور العلوم الطبيعية، وما يترتب على هذا القول أن العلم الطبيعي قد أصبح بعد نظرية الكوانتم لماكس بلانك وبعد نظرية النسبية لأينشتاين أصبح مؤسساً على احتمالية المعرفة وعلى نسبيتها، فما بالك بالدراسات الإنسانية؟! حيث كانت نظرية المعرفة وخاصة عند الفلاسفة المحدثين مسكونة بوهم اليقين، وهم البحث عن الحقيقة اليقينية. وهو الأمر الذي يفتح الباب على مصاراعيه للاحتمالية ومن ثم للتأويل. وهو الأمر عينه الذي يقودنا من النموذج المعرفي اليقيني الذي روجت له نظرية المعرفة إلى النموذج الهرمنيوطيقي القائم على الاحتمالية والاختلاف والانفتاح. وبالتالي فإن التحول الهرمنيوطيقي يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في تاريخ الفلسفة والعلم معا، هي مرحلة الفهم وإشكالية الحقيقة في العلوم الإنسانية، إذ بدأ تراجع نظرية المعرفة أو فلسفة العلم جليا بظهور هذا الفتح الفلسفي على يد الهرمنيوطيقا. على ذلك يمكننا القول بآن الفلسفة الحديثة انحصرت مهمتها الأساسية في محاولة تأسيس نظرية المعرفة على أساس علمي يقيني، وفي ذلك فقد تأثرت الأثر الكبير بوضعية النموذج المعرفي على مستوى العلوم الطبيعية "وتطبيق مناهجها في شتى المجالات، بحيث أ صبح هناك "اتجاه" كامل تحو اتخاذ العلم الطبيعي أنموذجا لكل من المعرفة، حتى في مجال معرفة الإنسان. وإذا جاز لنا القول بأن الفلسفة الحديثة تحولت في شوط كبير منها، إلى نظرية في المعرفة، فإن الفلسفة المعاصرة يمكننا أن نصفها بأنها قد أحلت التأويل وقضاياه محل نظرية المعرفة، وهي تكون بذلك قد أقامت الفلسفة على أساس تأويلي قائم على الغامض والمعقد والمختلف والمتعدد والاحتمالي والمنفتح على الآخر، بديلا للنموذج المعرفي للفلسفة الحديثة القائم على الوضوح والبساطة والتشابه والأحادية واليقينية والنسق المنغلق على ذاته المكتفي بها.

ISSN: 1585-5523