المصدر: | شؤون فلسطينية |
---|---|
الناشر: | منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث |
المؤلف الرئيسي: | سلامة، عبدالغني (مؤلف) |
المجلد/العدد: | ع256 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
فلسطين |
التاريخ الميلادي: |
2014
|
الشهر: | ربيع |
الصفحات: | 6 - 20 |
رقم MD: | 630569 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
قواعد المعلومات: | EcoLink |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
المستخلص: |
بعد هذا الســرد التاريخي الموجز، اتضح لنا بأن الرواية التوراتية ما هي إلا قصة أصــول مبتكرة لدين جديــد، ومجتمع جديد يحاول أن يثبــت أقدميته وتجذره في المنطقــة، وأن يقحم نفســه في صلــب التاريخ، من خلال جمــع وتصنيف وإعادة صياغة لتركة ثقافية شــعبية متعددة النشأة والأصول، والادعاء بأنها هي تاريخ هذه الجماعة، وإن الذين صاغوا هذه القصة بدعوى التأريخ لهذه الجماعة إنما كانوا يكتبــون بتأثير أيديولوجيا ضيقة وبهدف محدد أبعـد ما يكون عن التأريخ الأمين ،وهــم مدفوعــون بهاجس تراثي يتركز حــول اختلاق أصول وجــذور لهذه الجماعة ،وتبرير لوجودها المصطنع ورســم صورة معينة لمستقبلها، وقد استخدموا لهذه الغاية أســلوب الجمع التراثي، واقتطاف خبر من هنا وقصة من هناك، وتجميعها ،بحيــث تبدو للوهلة الأولى وكأن تسلســلا منطقيا يربطها، ولكــن هذا الترابط ســرعان مــا يهوي ويتعرى أمــام ضعفه، وفي نهايــة هذه العمليــة ظهرت رواية خيالية ونوعا من القصص الشــعبية والحكايا والأســاطير أحداثها لا تتقاطع مع التاريخ الفلسطيني، ولا مع تاريخ الشرق القديم، ولا تمت للحقيقة بصلة. لذلــك، فإن الاعتماد على التوراة في عملية التأريخ للمنطقة هو عمل عبثي لا طائل منه، ذلك لأن النص التوراتي بحد ذاته ليس نصا تاريخيا بأي معيار، ولا يمكن لــه أن يكون كذلك، وهو مليء بالتناقضــات والتعقيدًات، والفجوات التي يصعب ردمها، والأحداث التي يتعذر التوفيق فيما بينها، والأساطير التي لا يصدقها عاقل. وباتفــاق المؤرخين، واســتنادا للنقد النصي للأســفار نفســها، وتبيــان تناقض الرواية مع ذاتها، وضعف حبكتها، والترتيب الزمني المفروض عليها فرضا، إضافة للشــواهد الأركيولوجية فقد ســقطت وإلى غير رجعة روايات عصر الآباء، وعصر العبوديــة، والخروج من مصر والتيه في الصحراء، واقتحام كنعان، وأمجاد المملكة الموحدة في القدس، كما وردت في أســفار التوراة، كما ســقطت فكرة ما يسمى بـِ" الشــتات اليهــودي"، الذي تقــف وراءه فكرة طــرد الرومان لليهــود بعد تدمير الهيكل، فمن ناحية فإن طرد «الشــعب اليهــودي» من وطنه لم يحدث أبداً، ومن ناحية ثانية فإن رواية الطرد والتشــريد كانت ضرورية مــن أجل بناء ذاكرة للمدى البعيــد، وضُع فيها شــعب عرقي «متخيلَّ» ومنفي، باعتباره اســتمرارا مباشــرا للشــعب التوراتي القديم.23 بمعنى أن اليهود لم يطُردوا أساســا من فلسطين، بل خرجوا منها طوعا، ولم يعودوا إليها بإرادتهم الحرة. كما أكد المؤرخون بأنه لا يوجد ذكر لكيان سياســي اسمه إسرائيل، أو الشعب اليهودي في جميع وثائق الشــرق القديم قبل أواســط القرن التاســع ق.م، أما عن المملكــة الموحدة المزعومة؛ فإن المســح الأركيولوجي للقــدس ينفي وجود قاعدة سكانية/اقتصادية فيها خلال القرن العاشر ق.م تسمح بقيام مثل هذه المملكة ،فمملكة داود وســليمان ليست مســتبعدة تاريخيا فقط إنما مستحيلة الوجود ،ففي ذلك الوقت كانت القدس مجرد بلدة متواضعة. والديانة اليهودية التوراتية نشأت في العهد الفارسي في بابل واستُكملت في القــدس على يد كهنة أورشــليم، وهي لا تمت بأي صلــة لديانة التوحيد التي جاء بهــا النبي موســى قبل هذا التاريخ بنحو ثمانية قرون مــن الزمان، أما دولة يهوذا التــي قامت فعليا في القدس، فقد وضعت نفســها منذ نشــأتها في إطار الدور الوظيفي كمحمية فارســية تؤدي دورا معينا، وفيما بعد متحالفة مع كل الغزاة الذيــن تعاقبوا على البلاد، الأمر الذي جعل منها كيانا غريبا وطارئا يفتقر للعمق الحضاري، وذا تركيبة ســكانية غير منسجمة مع النسيج الاجتماعي ومتقاطعة مــع الــدور الحضاري للســكان الأصليين، وبالتالــي ضعفت الأواصــر التي تربطها بالأرض، ثم تلاشت بسهولة فيما بعـد. |
---|