ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







إشكالية احترام علوية الدستور : القضاء التونسي بين الرفض والتردد

المصدر: القانون والسياسة - المجلة التونسية للدراسات القانونية والسياسية
الناشر: كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة
المؤلف الرئيسي: الحوكي، شاكر (مؤلف)
المؤلف الرئيسي (الإنجليزية): Houki, Chaker
المجلد/العدد: ع1
محكمة: نعم
الدولة: تونس
التاريخ الميلادي: 2012
الصفحات: 161 - 198
رقم MD: 646286
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: EcoLink, IslamicInfo
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

122

حفظ في:
المستخلص: إن الوضع القضائي والقانوني في ما يتعلق باحترام الدستور في تونس إلى حدود 14 جانفي كان يتميز بوجود مجلس دستوري لم يكن مؤهلا لتولي رقابة دستورية القوانين وإن كان قابلا للتطور ومحاكم ما فتئت تحاول فرض علوية الدستور ولكنها لم تتجرأ بصورة صريحة على الدفع بعدم تطبيق القوانين أو إلغاء القرارات الإدارية على أساسه. هذا الوضع كان يؤشر لاحتمالات عديدة، خصوصا في ظل الآمال التي كانت معقودة على تحول المجلس الدستوري من مجرد هيئة استشاره إلى هيئة قضائية. فبعد أكثر من 24 سنة من إنشائه كان ينتظر أن يحقق المجلس الدستوري نقلته الأخيرة والحاسمة وأن يتحول إلى مجلس قضائي على غرار المحكمة الدستورية بألمانيا أو مجلس الدولة الفرنسي لاسيما بعد أن استوفى واستنفذ تقريبا كل شروط التطور والتدرج. ولعل من العلامات التي كانت تؤشر إلى تحوله إلى "هيئة قضائية"(86) ما نص عليه الفصل 40 بعد التعديل الدستوري لسنة 2002 من أن المجلس يبت في صحة الترشح والإعلان عن نتيجة الانتخابات والنظر في الطعون المقدمة إليه. وهو ما تكرس فعليا بصدور أول قرار عن المجلس الدستوري عندما نظر في الطعون المقدمة من قبل بعض المترشحين الذين قدحوا في نتائج الانتخابات). من المؤشرات أيضا ما اقره الفصل 75 (جديد) من الدستور من أن " قرارات المجلس الدستوري في المادة الانتخابية باتة ولا تقبل أي وجه من وجوه الطعن"، وكأن الأمر يتعلق بمحكمة ذات درجة نهائية على حد ملاحظة الأستاذ الأزهر بوعوني، هذا فضلا على ضرورة تعليل المجلس لأرائه(88) وأمور أخرى يمكن أخذها بعين الاعتبار لاسيما فيما يتعلق باشتراط الخبرات القانونية المتميزة لدى أعضاء المجلس أو حتى بالنظر إلى شكل الزى القضائي الذي بات ردائهم الرسمي في محاولة على الأرجح للتشبه بالقضاة. في المقابل يبدو القاضي الإداري مقبلا على تطوير مشمولاته في اتجاه تولى رقابة الدستورية خصوصا بعد صدور قانون 2 افريل 2002 الذي رفع الحصانة القضائية عن الأوامر الرئاسية وبالتالي أصبح ممكنا الطعن فيها بدعوى تجاوز السلطة، لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الأوامر كان يتخذها رئيس الجمهورية بناء على الفصل 53 من الدستور (1959). وبالتالي يمكن القول أن القاضي الإداري في طريقه إلى تولي هذا الدور بكل جدارة. أما القضاء العدلي وخصوصا على مستوى الابتدائي فقد سبق للقضاة وأن عبروا على حماسهم لممارسة دستورية القوانين عن طريق الدفع. أما على مستوى التعقيب، فأن القضاة لم يخفوا رغبتهم في مناسبات عديدة في ضرورة احترام الدستور رغم ما اتصفت به هذه الرغبة من احتشام. وانطلاقا من هذه الاعتبارات، فان المؤشرات كانت متجهة نحو اعتماد نظاما رقابيا مزدوجا يقوم على التعايش بين طريقتي الدفع والدعوى. عن طريق الدفع تعود الرقابة إلى محاكم الحق العام والقضاء الإداري وعن طريق الدعوى تكون الرقابة من أنظار المجلس الدستوري. غير أن أحداث 14 جانفي وما تلاها من إبطال العمل بالدستور وإنهاء العمل بالمجلس الدستوري كانت أسرع من نوايا المشرع المترنحة والتي كانت سببا في تفويت الفرصة عليه في أن يكون صمام أمان أثناء الأزمات السياسية وحرمته من لعب دوره في حماية حقوق الأفراد وتكريس دولة القانون، كما أن أحداث 14 جانفي وما تلاها جاءت لتطمس الجرأة المحتشمة للقاضي الإداري والعدلي على مدى أكثر من عقدين في فرض احترام علوية الدستور. ومن خلال ما جاء في شان المحكمة الدستورية المرتقبة(89) تبدو نية أعضاء المجلس التأسيسي واضحة في إعتماد المزج بين طريقتي الإلغاء والامتناع لدى قيام القضاء ببحث دستورية القوانين. وهي طريقة تجيز للمحاكم العادية التوقف عن النظر في الدعوى المرفوعة أمامها كلما دفع أحد الخصوم بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه ريثما تنظر فيه المحكمة الدستورية. ونحن هنا لا نملك إلا أن نتساءل إذا ما كان هذا الخيار هو الأمثل بالنظر إلى خصوصية التجربة التونسية ومميزاتها ؟