520 |
|
|
|a يتناول هذا البحث إشكالية الوجود الطبيعي في الفكر الإسلامي، حيث اهتم المتكلمون وفلاسفة الإسلام بالبحث في المسائل الطبيعية, ليس من أجل تفسير الكون على نحو ما فعل فلاسفة اليونان، وإنما أرادوا البحث فيها, بغرض البرهنة على وجود الله وإثبات وحدانيته, وبيان القدرة الإلهية في أهم مقدور لها وهو العالم الطبيعي بوصفه مخلوقا لله، ولكونه دالاًّ على الله؛ لا بل إن الدافع الأول والأهم من وراء أبحاثهم الطبيعية إنما هو خدمة العقيدة والدفاع عنها تلبية للنداء الديني، الذي يقيم أساس الإيمان على الإستشهاد بما في الطبيعة من موجودات.( ) ولذلك جاءت أبحاث جلّ المتكلمين للطبيعيات, من أجل خدمة الإلهيات، كتمهيد ومقدمة لها, وكما أن الكلام في الطبيعيات أساس للفلسفة، فهو أيضا أساس لعلم الكلام, لأن الفلسفة تعتبر بالمقابل أيضا إمتدادًا طبيعيا للكلام.( ) \ وقد اخترت لهذا الغرض شخصية تميزت بالموسوعية الفكرية, والتي على الرغم مما أشيع عنها من جمود وتحجّر, ورفض لاستخدام العقل والتمسك بظاهر النصوص, إلا أنّها أثبتت أنّ الأمر بخلاف ذلك. و من هذا المنطلق فإني أشير إلى أن البحث في الطبيعيات قد حتلّ حيِّزا واسعاً في مؤلفات ابن حزم \ – علي بن أحمد أبو محمد- المتكلم والفيلسوف الظاهري الأندلسي (384هـ-456هـ/994م-1064م) الذي صاغ آراءه الطبيعية والتي ربت على نيْفٍ وعشرين عنوانا, في مختلف القضايا والمسائل الطبيعية.( ) ومما يبهج القارئ لكتبه، ذلك العرض الماتع والتبويب الدقيق، والتفصيل البديع لمختلف تلك المسائل, مع ترتيب لآراء الخصوم وأقوالهم ثم تفنيدها, بما يراه مناسبا من الأدلة النقلية أوالعقلية, يتلوه إثبات لما يراه صوابا وتأكيدا عليه بالبراهين المختلفة، مما يكشف عن عناية بالغة, واطلاع واسع على الآراء, وجهد كبير يكون قد بذله في النقد والتمحيص، إضافة إلى الحيِّز الشاسع الذي خصصه لهذه المسائل الطبيعية المتنوعة. \
|