ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







السياسة الاجتماعية في العراق : جدل دولة الرفاه واقتصاد السوق

المصدر: مجلة الآداب
الناشر: جامعة بغداد - كلية الآداب
المؤلف الرئيسي: العبادي، سلام عبد علي مهوس (مؤلف)
المؤلف الرئيسي (الإنجليزية): Al-Abadi, Salam Abdul Ali
مؤلفين آخرين: العزاوي، مثال عبدالله غني (م. مشارك)
المجلد/العدد: ملحق
محكمة: نعم
الدولة: العراق
التاريخ الميلادي: 2011
التاريخ الهجري: 1432
الصفحات: 44 - 88
ISSN: 1994-473X
رقم MD: 671978
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
اللغة: العربية
قواعد المعلومات: HumanIndex, AraBase
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

191

حفظ في:
المستخلص: تكاد تكون السياسة الاجتماعية احد أهم ركائز التوازن والعدالة الاجتماعية في مجتمعات عالمنا المعاصر، فهذه السياسة كما تحددها الأمم المتحدة تمثل آلية فعالة لبناء مجتمعات تسودها العدالة والاستقرار وتتوفر لها مقومات الاستدامة، ولذلك تقع في نطاق اهتمام صانعي سياسات التنمية الوطنية العامة، والهدف النهائي لهذه السياسة هو تخفيف حدة الفقر والإقصاء الاجتماعي وإخماد بؤر التوتر الاجتماعي، وتحسين الرفاه العام لجميع المواطنين على اختلاف فئاتهم. ويبدو أن السياسة الاجتماعية في العراق طبقًا لهذا التصور تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في مدى قدرتها على تحقيق ذلك في ظل اختلال الإرادة السياسية للدولة وغياب التخطيط العلمي والواقعي، وهشاشة الأطر التنظيمية والمفاهيمية للسياسة الاجتماعية وعدم وضوحها، فضلًا عن متغيرات الواقع الجديد التي فرضت إشكالية أو جدلية تمثلت بصعوبة الاختيار بين أنموذج التدخل الدولتي الذي تراجع مردوده الفعلي في كثير من بلدان العالم، وبين اقتصاد السوق الذي فرض منطقه وشروطه على أغلب المجتمعات الإنسانية، بين أنموذج دولة الرفاه (دولة الرعاية) وبين مشاريع الخصخصة ومتطلبات النمو والإصلاح الاقتصادي. إن متطلبات السياسة الاجتماعية في العصر الحاضر باتت تمثل أحد أهم محاور التنمية المستدامة، ومن دون هذه السياسة لا يمكن تحقيق أي نجاح اقتصادي سواء في مؤشراته الكمية أم النوعية وطبقًا لهذا التصور ينبغي في ظل اقتصاد السوق وجود تعاون وتنسيق ما بين القطاع العام والقطاع الخاص من حيث الأهداف والبرامج وفقًا لاحتياجات المجتمع الحقيقية، لأن الهدف الحقيقي يفترض أن لا يكون المؤشرات الاقتصادية بحد ذاتها، بل الوصول عن طريقها إلى أحسن المؤشرات الاجتماعية قدر الإمكان، وإذا كانت السياسة الاجتماعية في العراق تحصرها اليوم قضايا خطيرة على رأسها قضيتي الفقر والعدالة الاجتماعية، فإن نجاح هذه السياسة ليس رهينًا باستيعاب حركة المجتمع الدولي والمتغيرات السياسية والاقتصادية الدولية فحسب، بل أنه يتوقف قبل كل شيء على الإرادة وضرورة المشاركة الفاعلة في تحقيق التنمية وتعزيز فرص العدالة الاجتماعية التي من دونها لا تتحقق التنمية. لقد سادت بعض الأفكار التي تؤكد أن قوى السوق قادرة على تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد وتحقيق الرفاه الاجتماعي، وبالتالي لابد من تقليص دور الدولة عبر خصخصة المؤسسات التي تملكها والحد من الدعم بمختلف صوره الاقتصادية والاجتماعية، ويبدو أن هذه المناطق بات هو السائد في كثير من الدول بحكم الضغوطات التي فرضتها المتغيرات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، فالظروف الموضوعية التي فرضت التحول في طبيعة وفلسفة النظام القائم في العراق من النظام المركزي القائم على هيمنة الدولة إلى نظام يتبنى فلسفة الحرية الاقتصادية ويؤمن بقوى السوق وآلياته قد ساهمت إلى حد كبير في تزايد الجدل حول طبيعة دور الدولة في ظل حرية السوق، لاسيما إذا ما أخذنا بالحسبان أن السياسة الاجتماعية في العراق تابعة للشأن الاقتصادي في الأهمية والدلالة، فضلًا عن كون الرفاهية الاقتصادية عراقيًا لا ترتبط بالسياسة الاجتماعية بقدر ارتباطها بالخدمات الاجتماعية، لأن الهدف الرئيس لهذه السياسة هو تحقيق مزيدًا من عدالة التوزيع والقضاء على أشكال عدم المساواة في المجتمع، فضلًا عن ضمان الحقوق الاجتماعية كافة، ولذا أصبحت التقلبات في الناتج المحلي الإجمالي تنعكس على مستوى أداء الخدمات الاجتماعية وكفاءتها، ولهذا بات بالإمكان القول إن تبني سياسة اقتصاد السوق في العراق في هذه المرحلة يشكل خطرًا على الاستقرار الاجتماعي ويهدد بفوضى عارمة لا يعرف مدياتها. وأين تنتهي؟ ومتى؟ لأن الغاية الأساسية لكل عملية إصلاح ينبغي أن تكون الإنسان، وإذا ما تم تجاوز ذلك فلا جدوى من أي عملية تطور أو نمو في الجانب الاقتصادي أو غيره من الجوانب الأخرى. إن طبيعة الواقع العراقي ومتطلباته تقتضي أن يكون دور الدولة في العراق في هذه المرحلة دورًا مركزيًا ومحوريًا (الدولة التدخلية) في مقابل متغيرات الواقع، وفي مقابل الفاعلين الجدد كافة، بما في ذلك السوق الذي يحاول باستمرار التمرد على الدولة والتحكم بها، لأن السوق وقواه وآلياته غالبًا ما تتجاهل الاعتبارات الاجتماعية، وقد تسيء وصف ديناميات التحفيز الإنساني، لهذا فان تدخل الدولة في هذه المرحلة كثيرًا ما يكون ضروريًا لإنقاذ السوق من مساوئ تجاوزاته وتطرفه، كما إن الدولة بإمكانها الاهتمام بقطاعات تعجز آليات السوق عن تقدير قيمتها بشكل صحيح مثل التعليم والصحة. إن المتغيرات الجديدة التي طرأت على واقع المجتمع العراقي لاسيما بعد عام 2003 تقتضي قبل كل شيء تصحيح مسار العلاقة بين الدولة والمجتمع التي اختلت كثيرًا على مدى أعوام طويلة من الزمن، وقد يكون الواقع العراقي بحاجة إلى صياغة عقد اجتماعي جديد، عقد يستوعب جميع الفاعلين الجدد بما في ذلك السوق والمجتمع المدني، لاسيما في ظل المرحلة الانتقالية التي يمر بها البلد، على الرغم من وجود شكوك حول إمكانية نجاح هذا العقد الجديد في تجاوز الأزمات والصعوبات التي يمر بها المجتمع العراقي في ظل الأزمات المزدوجة التي يزخر بها الواقع العراقي، لكن مع هذا يبدو أن العراق اليوم بأمس الحاجة إلى بلورة عقد اجتماعي بين الدولة والسوق والمجتمع في ظل عولمة اقتصاد السوق، خوفًا من فقدان السوق لهويته الوطنية وقد تصبح آلياته أشد قسوة، وأن الدولة ذاتها قد تفقد سيطرتها عليه لاسيما أن صورة الدولة القوية أو الشمولية قد بدأت تهتز وأن سلطاتها قد تبعثرت، ولهذا فلابد أذن من عقد اجتماعي ينطوي على التجانس والتوافق في العمل وتوزيع الصلاحيات والسلطة بين الأطراف الثلاثة من أجل حماية المجتمع وقمع السوق المتوحش في ظل دولة قوية تسعى لتحقيق الرفاه والأمن للمجتمع.

ISSN: 1994-473X