ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







الحمام الشعبى التلمسانى : مقاربة إثنوغرافية تاريخية

المصدر: مجلة البحوث التاريخية
الناشر: المركز الليبى للمحفوظات والدراسات التاريخية
المؤلف الرئيسي: بووشمة، الهادي (مؤلف)
المجلد/العدد: مج33, ع2
محكمة: نعم
الدولة: ليبيا
التاريخ الميلادي: 2011
الشهر: يوليو
الصفحات: 111 - 154
رقم MD: 771382
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات: HumanIndex
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

20

حفظ في:
المستخلص: إن الحاجة الإنسانية لترويض الموجود الطبيعي ولدت للوجود إبداعات فكر الإنسان في شكل من الملموس المادي ولعل قرب الجسد بالعقل والروح، ونعمة الإحساس والشعور والتأمل والتفكير والتجسيد التي ملكها الإنساني، جعلت من اهتمامه ينصب في مرحلة تاريخية أولى بذلك، فكان أن أبدع الإنسان طرق غذائه وروض الطبيعة وحيواناتها وصنع كساء عورته المكون في مرحلة أولى من ورق الشجر، ومن ثم بدأ يسمو فكره ليبلغ مرحلة العلاقة مع الماء لكن ليس كشرب وغذاء عبر حاسة الفم بل فوق كامل جسده (الغسل) حيث حاول تنمية ذلك ووفق تصورات وتمثلات بدأت للإنسان في مراحل لاحقة كللت بإبداع الحمام في مرحلة أولية من خلال علاقة الإنسان بالماء عبر فعل الاستحمام، ليعرف في مراحله اللاحقة طفرته العمرانية الممارساتية من خلال إنشاء معمار يسمى "الحمام". غير أن الحمام في منشئه التاريخي والعمراني ربطته الأسطورة كصناعة غير إنسية كانت من فعل الجن الذي سخر لسيدنا سليمان، في ما رأى آخرون أن أصوله فرعونية أو يونانية أو رومانية، هذه الأخيرة التي عرف فيها الحمام أعظم إبداعاته وانتشاره. من جهة أخرى فإن ترسيخ ثقافة الاستحمام والحمام، عرف تواصله عبر كل الحقبات الزمنية اللاحقة، خصوصا بعد استطانه بأرض الإسلام والعرب، الذين أبدعوا بدورهم في تصميمه وهندسته وتهذيبه وفق عقائدهم وشعائرهم الدينية والعرفية وموروثاتهم الثقافية، برغم أن صناعة الحمام اعتبرت من وجهة الخطاب الديني كبدعة إفرنجية، وخصت في ذلك الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة في محارمه وشروط ولوجه ومنافعه ومضاره... إلخ، غير أن ثقافة الاستحمام بعمومها تجاوزت الخلافات الدينية، وأصبح الحمام معيشا أساسيا في حياة المسلم، خصوصا بمنطقة دراستنا (تلمسان) التي عرفته في زمن تاريخي سابق صاحب مجيء الرومان وتأسيسهم بوماريا. بعد ذلك أصبح الحمام التلمساني من بين أميز وأحسن حمامات بلاد المغرب، وأصبح معه المجتمع التلمساني مميزا بدوره، بحيث ساهم الحمام كفضاء تطيقي - اجتماعي - ثقافي - خدماتي في ترسخ هوية المنطقة، بشكل أعاد إنتاج تراث وقيم وممارسات أهل تلمسان في أجيالهم اللاجئة، وطبع مخيالهم الثقافي والاجتماعي من خلال التأريخ لهم انطلاقا من مؤسسة الحمام. وإن كان الحمام كذلك في تلمسان من الناجية الثقافة، فإن دوره الاجتماعي تعدى ذلك في صناعة اجتماعية الإنسان التلمساني ووطد تضامناته سواء في فترات رخائه وهنائه، أو في فتراته التاريخية العصيبة، في المقابل دوره الديني كان ذا أهمية كبيرة، إذ ربط المخيال الشعبي بين الحمام والدين من خلال عنصر النظافة، أكثر من ذلك بين شطري الإنسان الدنيوي والقدسي الديني، من خلال رمزية الحمام في نظافة الإنسان التي تربطه بالإيمان والجنة، وعكسه الوسخ الذي ربطه بالشيطان وجهنم، ومن ثم كان الحمام أهم نافذة رمزية دنيوية – تذكار بالآخرة وبجهنم وبالمساواة والحشر من خلال ظلمة الحمام وحرارته والعري الجزئي المصاحب للاستحمام كما عد نافذة موصلة للراحة الدنيوية والجنة الأخروية، انطلاقا من اعتبار الحمام كأهم فضاء لإزالة جنابة الإنسان المسلم من نجاساته، ومن كل هذا عد كطقس ضروري للعبور لأداء الفرائص والشعائر الدينية. فب مقابل كل هذا يبقى الحمام التلمساني راسخا ضمن فضاء المكون الثقافي الهوياتي والممارساتي لهذا المجتمع المحلي، بشكل جعل منه فضاء مهما في الحياة الاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية...، وكان تفاعل أهل تلمسان معه صانعا لنمط ثقافي وهوياتي مميز لمنطقتهم من خلال تاريخها وتراثها ومحتواها القيمي المرتبط بعلاقة إنسان المنطقة بالحمام، وتبقي حمامات تلمسان اليوم. رغم كل ما يؤخذ عليها من المشاكل التي بداخلها –آثارها لعلاقة حصلت في زمن سابق بين روح أوليائها وقداستهم التي تفيض على المدينة اليوم ببركاتهم بشكل يجعلها محروسة في المخيال الشعبي المحلى.

عناصر مشابهة