المستخلص: |
لا يشك باحث في مجال التأليف قديما، وحديثا أن للبيئة التي نشأ فيها المؤلف، والعلوم التي تلقاها، والمعارف التي تشربها أثرا كبيرا في منهجه في التأليف وتناوله المادة وطرق دراستها وصورة عرضها، لا يشذ عن ذلك كاتب في اللغة وعلومها أو في غيرها. ومعرفة هذه الخلفية العلمية للعالم مما يعين الباحث على فهم طبيعة المؤلف الذي بين يديه، واستشفاف روح كاتبه، ومعرفة سبب شهرته وتصدره أو العكس. يعد التأليف المعجمي أحد أوضح الأمثلة على ذلك؛ فمن بين كل المعجمات التي ظهرت في القرنين الثالث والرابع الهجريين يبرز معجم تهذيب اللغة بوصفه نموذجا حيا لتأثير العلوم المختلفة التي يتقنها المؤلف-إلى جانب اللغة-في جمعه وتدوينه لكتابه. هذا الأثر الذي تعدى معرفته الحديث والأخبار والقراءات إلى معرفته الوثيقة بالمذهب الشافعي، وروايته عن رأس المذهب الذي إليه ينتسب؛ اللغوي العربي الفصيح الإمام الشافعي، وهو ما يشير في النفس تساؤلات عن أثر هذا الفرع من العلوم المتمثل في الفقه ومذاهبه على تأليف الأزهري لمعجمه، وهل كان حقا-كما قيل-كثير الانتصار لمذهب الشافعية ولألفاظ إمامه؟ وإذا ما كان انتصاره لها – إن ثبت ذلك-عن تعصب وتحيز أم عن حجة ودليل؟ من هنا ظهرت هذه الدراسة محاولة لتبين مدى أثر المذهب الفقهي وما يترتب عليه عادة من خلافات وتعصب وانحياز في التأليف المعجمي عند الأزهري.
|