المستخلص: |
في تضاريس هذا العمل المتواضع، حول بنية التحديات والإشكاليات التي تواجه التربية العربية في عصر العولمة، أشرنا إلى وجود منظومة من الحقائق المهمة، ونسق من المعطيات الواقعية للتحديات التي تفرضها العولمة على التربية العربية بمختلف أنساقها وتجلياتها وأبعادها. وقد تبين لنا عبر هذه المعالجة أهمية وضع مشروع تربوي عربي لمواكبة العولمة وتجنب مخاطرها. إن البداية لمواجهة العولمة تكون بتعزيز القيم العربية الإسلامية ذات الطابع الإيجابي، وتأكيد الخصوصية التاريخية للأمة العربية الإسلامية في مواجهة التحديات العاصفة للعولمة. ولا بد لنا في هذا السياق من التأكيد على أهمية إجراء تطوير عميق وشامل في مختلف المستويات التربوية، ولاسيما في المناهج وأساليب العمل والمضامين والأدوات والتصورات. كما يتعين على المشروع التربوي التأكيد على أهمية المعرفة العلمية، وأهمية احتواء التكنولوجيا المتقدمة، واستنباتها وتطويرها في بيئتنا العربية. وهنا تتبدى أهمية تربية التسامح والانفتاح على الآخر، وقبوله على مبدأ الاختلاف، كأساس لمشروع عربي متكامل في مواجهة المتغيرات العالمية، يمكن الأجيال العربية من الحضور والمشاركة في صيرورات الحضارة الإنسانية. وفي مجال الصورة الإنسانية المرغوبة، التي يجب على التربية أن تعمل على بنائها وتشكيلها وتكوينها، فإن الإنسان العربي يجب أن يختمر في بوتقة الإبداع، وأن ينشأ في رحم التسامح، وأن يسمو إيمانا بالعقل والحرية والقيم الإنسانية السمحة. ومن أجل أن يكون الإنسان العربي مشاركا في بناء الحضارة وفاعلا فيها، يجب أن يكون مؤمنا ناقدا متسامحا مبتكرا، قادرا على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية، متشبعا بإمكانات التفاعل مع العلم والتكنولوجية، مؤمنا بعروبته وإسلامه وحضارته، يرفض الذوبان أو قبول الهزائم، ويعمل على تحرير نفسه من كل أشكال العطالة والجمود. تلك هي الصورة التربوية التي يمكن للمشروع التربوي العربي أن يؤكدها من أجل بناء الإنسان العربي القادر على الصمود في وجه التحديات ومواجهة الصعاب التاريخية. وباختصار، نحن مطالبون اليوم بتربية جديدة تعتمد أسسا جديدة، تربية تنطلق من مبدأ التغير، وتنطلق على هدى الإبداع، وتعتمد الحوار، وتعلي من القيم الديموقراطية، تربية منفتحة تعتمد على معطيات التكنولوجيا ومبدأ الاستمرارية وقيم التعاون والتكامل، إنها في النهاية تربية علمية عقلانية ناقدة. هذه التربية تأتي رفضا شاملا للتربية التقليدية التي تعتمد على التلقين والجمود والذاكرة والتسلط والانغلاق واللحظات العابرة، أو هذه التي تعتمد على التجزؤ وترفض العقلانية والروح النقدية في المجتمع.
|