المستخلص: |
عرفت المسؤولية المهنية خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة تطورا نوعيا بسبب تطور المجتمعات من جهة ، و ازدياد حاجة الناس إلى الخدمات النوعية المتخصصة من جهة أخرى إلى درجة القول أن هناك نظاما قانونيا خاص بها بالمسؤولية المهنية بدأ يتشكل و يستقل بذاته عن النظام القانوني التقليدي للمسؤولية بجميع أنواعها ، سواء كانت مسؤولية جزائية أو مدنية أو تأديبية . الأمر الذي أدى بالرفع من درجة وعي طالبي الخدمة بلجوئهم إلى الجهات القضائية و الهيئات التأديبية كلما أخل المهنيون في كل القطاعات بأحد التزاماتهم ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أصبح المهنيون في كل القطاعات يتحملون مسؤولية عملهم ، و ما يترتب عن ذلك لقاء مخالفاتهم و انحرافاتهم السلوكية التي لم تكن محل مساءلة أو تجريم في السابق ، وهو ما دفع بالنظم التشريعية و المهنية إلى التدخل بحزم لتنظيم و تقنين جميع الأعمال المهنية . و من هذه المهن ، أعمال المهنيين القانونيين الذين على اختلاف مهامهم و صلاحياتهم ، تجمعهم التزامات و واجبات مشتركة ، كواجب النصح الذي يتفرع أساسا من الالتزام بإعلام و تنوير الزبائن ، الذي من شأنه أن يضع الزبائن في حالة حذر و حيطة شديدين أثناء قدومهم على أي عمل أو تصرف قانوني ، أو واجب الالتزام بتحقيق فعالية العقود والمحاضر التي ينجزها ممارسو القانون وممتهنوه . إذ أن هذا المبدأ كرسه القضاء الفرنسي خاصة في حق الموثقين ، و جعله التزاما أساسيا يقع على عاتقهم للحيلولة دون التحجج بعدم فحص الوثائق الثابتة لبائع العقار ، و سندات هذا الأخير فيما إذا كان مثقلا بأي تصرف مثل الرهن وغيره . وأخيرا الالتزام بواجب الحذر واليقظة الذي لا يعتبر قاسما مشتركا بين المهنيين القانونيين فحسب ، بل يهم جميع المهنيين من أطباء ومهندسين ومحاسبين كل في مجال اختصاصه ، بحيث يطبق بقسوة وصرامة في حق كل واحد منهم إذا أخل به . فمتى تمكن المضرورون من إثبات الإخلال بالالتزامات المذكورة أو بأحدها و إثبات الضرر اللاحق بهم ، جاز لهم بموجب إتباع إجراءات التعويض عن الضرر ،اللجوء إلى الجهات المختصة للمطالبة بإصلاح تلك الأضرار . و كان للاجتهاد القضائي المدني الفرنسي – كما مر بنا - النصيب الأوفر في الحكم على المهنيين القانونيين بالتعويض جراء الإخلال بواجباتهم المهنية. و تخصيصا للدراسة ، جعلنا من موضوع المحضر القضائي دراسة حالة – بصفته واحدا من أهم المهنيين القانونيين - ، مركزين في غياب الاجتهادات القضائية في الجزائر على النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم المهنة كأساس قانوني لقيام مسؤوليته المهنية ، و في حالة انعدام أحكام وقواعد المسؤولية في تلك النصوص ، فإننا رجعنا إلى الشريعة العامة من خلال القانون المدني و التجاري – وهو ما فعلناه - لتبيان مسؤوليته المهنية. وفي ختام هذا البحث ، إن كانت لنا كلمة حول مسؤولية المهنيين القانونيين عامة ، والمحضر القضائي الجزائري خاصة ، فإننا ندعو المشرع المقارن في كل دول العام أن يجعل آلية التأمين بكل أنواعه آلية إجبارية على المهنيين القانونيين على غرار المشرع الجزائري الذي فرض على المحضر القضائي التأمين بموجب المادة 38 من القانون 06-03 المنظم للمهنة .
|