المصدر: | مجلة الآداب |
---|---|
الناشر: | جامعة بغداد - كلية الآداب |
المؤلف الرئيسي: | الشمري، طالب عويد نايف (مؤلف) |
المؤلف الرئيسي (الإنجليزية): | Nief, Taleb A. |
المجلد/العدد: | ع84 |
محكمة: | نعم |
الدولة: |
العراق |
التاريخ الميلادي: |
2008
|
التاريخ الهجري: | 1429 |
الصفحات: | 81 - 104 |
ISSN: |
1994-473X |
رقم MD: | 665657 |
نوع المحتوى: | بحوث ومقالات |
اللغة: | العربية |
قواعد المعلومات: | HumanIndex, AraBase |
مواضيع: | |
رابط المحتوى: |
المستخلص: |
بعد هذه القراءة لسورة يوسف وبعد الاطلاع على ما كتب عنها سواء في كتب التفاسير أو في كتب قصص الأنبياء في ضوء المنهج الذي اتخذه البحث بالإفادة من معطيات السرد في قراءة القصة نجد أن قصة يوسف قد حققت سمات العمل الأدبي الفني وحوت بنية خاصة بها جعلتها في المقام الأول في فن القصة فنجدها تبدأ أولا باستباق يكاد يكون الأساس الذي بنيت عليه القصة بأجمعها وهو قوله: "إذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ويُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إبْرَاهِيمَ وإسْحَاقَ إنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (يوسف: 4-6). فبهذه الرؤيا تبدأ أحداث القصة فيصبح القارئ مشدود الذهن ومتشوقا لمعرفة مغزى هذه الرؤيا وماهيتها ولماذا نهى الأب ابنه عن سردها على أخوته؟ وما هي طبيعة هذه العلاقة؟ إذ يفهم من كلامه أنها علاقة متوترة! وما معني قولة لابنه بأن الله اجتباه؟! هذه الأسئلة كلها تتدافع إلى ذهن القارئ ويبقى متلهفا لمعرفتها وهذا يحقق عنصر التشويق الفني الذي تسعى إليه كل الأجناس الأدبية ثم تتوالى الأحداث من دون الكشف عن الاستباق الأول إلا في الارتداد الأخير في قول يوسف: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إلَيْهِ أَبَوَيْهِ وقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًا وقَدْ أَحْسَنَ بِي إذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وجَاءَ بِكُم مِّنَ البَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وبَيْنَ إخْوَتِي إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ أَنتَ ولِيِّي فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف: 99-101)، وهذا يعني أن القارئ ظل مشدودا حتي انتهاء القصة ومن اجل كسر الملل والسام عنده وهو ينتظر وحوت القصة استباقات وارتدادات داخلية قصيرة بالقياس إلى الاستباق الأول فضلا عن اعتماد القصة على خلق رمز ورمز مضاد له أو مقابل أي طريق المتقابلات الثنائية الذي يجعل القارئ متلهفا لمعرفة ماهية هذا الرمز وما هو ضده أو ما يقابله مثلا موقف أخوة يوسف وموقفه منهم، والقميص الذي تحول إلى رموز عديدة في القصة من رمز للكذب إلى رمز للصدق والعفة إلى رمز للشفاء، وصوت الأخ الرافض لقتل يوسف: (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) (يوسف: 10)، يتحول في النهاية إلى الرافض العودة إلى أبيه من دون أخيه (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ ومِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ) (يوسف: 80) هذه الرموز كلها كانت بمثابة محطات شحن لعناصر القصة وشحن لذهن القارئ لمعرفة نهاية هذه القصة ومجرى أحداثها ورافعة للسأم والملل من النفوس وكذلك وجود الحذف الذي يسميه جيرار جنبت بالحذف الافتراضي الذي عرفه بفجوات النص وهو ما عرف بالبلاغة العربية بحذف الجمل أضاف وقعا جميلا على القصة فقد تم حذف كل الأمور التي لا تقدم شيئا في القصة ولا تثقل عليها وكذلك تبعد الملل عنها مع ترك إشارات لفهمها على سبيل الإجمال ومن هذا الحذف أو الفجوة الموجودة في النص فمثلا مرحلة ما بين النقاط السيارة ليوسف ومراوده امرأة العزيز إياه لا يوجد في القصة ذكر لها وهي فترة طويلة كيف عاشها ؟! وماذا فعل بها؟ وكيف كانت حياته؟ كلها مسكوت عنها ولكن النص جعل هناك إشارة تجعلنا نفهم على سبيل الإجمال هذه الحياة فقوله: (وقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ ولَدًا وكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ ولِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 21) تدل على أن الحياة التي عاشها حياة كريمة رخية وأن المعاملة كانت جيدة مثل معاملة الوالدين لابنهم، وكذلك نجد جزء آخر محذوفا في القصة وهي فترة وجوده في السجن وهي ليست بالقصيرة ولكن النص أشار إلى طبيعة هذه المدة وأن يوسف قد نال حظوة، ومكانة محترمة بين السجناء ودليل ذلك الفتن أنهم يلجأون إليه لمعرفة رؤاهم (ودَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وقَالَ الآخَرُ إنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ) (يوسف: 36) وأيضا نستشف من كلمة (السجن) أنها حياة سجون اعتيادية بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معان، ونجد ظاهرة لغوية أضافت إلى القصة بعض الأجواء الحقيقية أشار إليها د. سليمان الطروانة (43) فمثلا استخدام كلمة (رب) للدلالة على السيد المالك في قول يوسف (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) فاصطلاح (ربي) لمالك العبد غريب على اللغة العربية (فتقول العرب لصاحب العبد سيده ومالكه ومولاه: ولا تقول ربه، ولأن الطبقة الحاكمة في مصر كانت تؤمن أنها من سلالة الأرباب لهذا تميل إلى ادعاء الربوبية، وجاءت هذه اللفظة لتعكس هذا الشعور في نفوس هذه الطبقة التي عبر عنها فرعون مصر صريحا عندما قال لموسى وملئه: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) (النازعات: 24) وكذلك لفظة السيد للزوج في قولة: (واسْتَبَقَا البَابَ وقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا البَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يوسف: 25)، وهذه الأمور كلها أضفت روعة وجمالا فنيا على القصة وجعلت القارئ مشدود الذهن إلى معرفتها. |
---|---|
ISSN: |
1994-473X |