ارسل ملاحظاتك

ارسل ملاحظاتك لنا







إصلاح التعليم و فلسفته في الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر : قراءة في قوانين التنظيمات من عهد محمود الثاني إلى عبدالحميد الثاني 1824 - 1876 م

المصدر: مجلة التربية
الناشر: جامعة الأزهر - كلية التربية
المؤلف الرئيسي: العريض، وليد صبحي (مؤلف)
المجلد/العدد: ع146, ج2
محكمة: نعم
الدولة: مصر
التاريخ الميلادي: 2011
الشهر: نوفمبر / ذوالحجة
الصفحات: 421 - 457
ISSN: 1110-323X
رقم MD: 958458
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
اللغة: العربية
قواعد المعلومات: EduSearch
مواضيع:
رابط المحتوى:
صورة الغلاف QR قانون

عدد مرات التحميل

261

حفظ في:
المستخلص: بعد مرور مائة عام على انفصالنا عن الدولة العثمانية، إلا أن هناك إصرارا كبيرا – في ذهن الأغلبية – على أن تخلفنا عن ركب التطور العلمي يعود إلى الدولة العثمانية.
لذا تهدف هذه الدراسة إلى توضيح مسألتين هامتين:
الأولى: مفهوم العثمانيين للتعليم في القرن التاسع عشر.
الثانية: جهود الدولة العثمانية في إصلاح التعليم في القرن الأخير من عمرها.
هذا الموضوع واسع وكبير، ولا يمكن تغطيته في دراسة واحدة، لذلك خصصنا هذا البحث، في قراءة تحليلية لإصلاح التعليم وفلسفته في قوانين التنظيمات من عهد السلطان محمود الثاني وحتى تسلم السلطان عبد الحميد العرش 1876م، وتشمل ما يلي:
1. فرمان السلطان محمود الثاني لإصلاح التعليم 1824م.
2. خط شريف كلخانة 1839م.
3. خط التنظيمات الخيرية 1856م.
4. قانون المعارف 1869م.
ونتيجة لأن نتائج هذه الإصلاحات قد أدت إلى انتشار المدارس الحكومية بشكل كبير في عهد عبد الحميد، فإنها تحتاج إلى دراسة مستقلة، سنعمل على إنجازها أيضا.
أ- مفهوم السلطان محمود الثاني للإصلاح قبل فرمان 1824م.
يعد المؤرخون فشل الدولة العثمانية في إحراز انتصارات حاسمة على الجبهات الأوروبية وخاصة أمام النماس عام 1697م1، معاهدة كارلوفتز سنة 16992، هزيمة الدولة العثمانية أمام روسيا من (1183-1188هـ / 1769-1774م)، وتنازل الدولة العثمانية عن بعض ممتلكاتها لروسيا بموجب معاهدة (كجك قاينارجة) Kucuk Kaynarca سنة 1188 ه/1774 م3 دليلا على ضعف القوة العسكرية العثمانية، وفشل الإصلاحات السابقة.
وجاءت حملة نابليون على مصر وبلاد الشام (1798/1801م)4. شاهدا آخر على الضعف العسكري للدولة العثمانية، مما دعا السلطان سليم الثالث (1204-1223هـ/1789-1808م) إلى تبني نظام الإصلاحات العسكرية على النمط الأوروبي الحديث، أما ما يسمى بـ (الترتيب الجديد) Tertib-I Cedid أو النظام الجديد، وهو نظام وضعه السلطان سليم الثالث في سنة (1792-1793م)، واستهدف به تطوير أنظمة الجيش على الأسس الغربية5، لكن معارضة الانكشارية وعلماء الدين أفشلت خطته، ووقع ضحية لهذا النمط من المعارضة السلبية.6
قبل السلطان محمود الثاني (1223-1255هـ/1808-1839م) بالتفوق الأوروبي، وأدرك ضرورة الإصلاحات الشاملة التدريجية في جميع مؤسسات الدولة، متيقنا أن التركيز على الإصلاحات العسكرية لن يكون الحل الأمثل، إذ فشلت هذه المحاولات من قبل.7
لقد كانت الظروف الداخلية والخارجية عقبة أمام السلطان محمود الثاني، بإعاقتها تنفيذ البرامج الإصلاحية في الدولة، وتمثلت في الظروف الداخلية بالحركة الوهابية (1226-1234هـ/1811-1818م)8 وحرب اليونان سنة (1238-1240هـ/ 1822-1824م)9 وأزمة محمد علي في بلاد الشام سنة (1247-1256هـ/ 1831-1840م)10، أما الظروف الخارجية، فقد تمثلت بالحرب الروسية العثمانية (1244-1245هـ/1828-1829م)11، إلا أن عهده يعتبر الأرضية الأساسية للتنظيمات في المجالات العسكرية، السياسية، الإدارية والاجتماعية، وقد منح السلطان سلطات واسعة للصدر الأعظم للبدء في خوض هذه التجربة12.
ب: فرمان سنة (1240هـ/ 1824م) وأثره على التعليم
يمكن القول إن التطور في المؤسسات العلمية قد بدأ في عهد السلطان محمود الثاني بإصداره الفرمان الذي نص على: (أن تقوم مدارس الصبيان بتأمين التعليم الديني لأطفال المسلمين)13، ويفهم من ذلك، إن الفرمان أكد على ضرورة تعليم هؤلاء الأطفال العلوم الشرعية الإسلامية والعقائد الدينية، لأن هذا العصر بالذات بحاجة إلى دعم علماء الدين والمدرسين، ونفهم كذلك، أن نقلة نوعية في ميدان التعليم على الطراز الأوروبي، سواء من الناحية النظرية أو العملية غير متوقعة أبدا، وعلى الرغم من أن فرمان سنة (1240هـ/ 1824م)، لم يطمئن طائفة العلماء من جهة، وبقى من الناحية العملية حبرا على ورق من جهة أخرى، إلا أنه فتح المجال تدريجيا أمام هذا التحول.14
ج: الإصلاحات من فرمان 1240هـ/ 1824م إلى (خطة شريف كلخانة) سنة 1255هـ/ 1839م:
وعند مقارنتنا للإصلاحات التي قام بها السلطان محمود الثاني بعد سنة 1246هـ/ 1830م بما سبقها، نرى أنها أكثر مسؤولية وشمولية في تنفيذ برامج الإصلاحات، وكانت لها أهمية كبيرة في التجديد من الجوانب التالية:15
1. التشكيلات العسكرية الجديدة (إصلاح النظام الأمني والعسكري).
2. إزالة الفوارق بين الدين والعرق، للمساواة بين الطوائف في الحقوق والواجبات.
3. إيفاد البعثات العلمية والسفراء إلى أوروبا.
4. إنشاء ثلاثة مجالس جديدة هي: مجلس شورى الباب العالي، ومجلس الأحكام العدلية، ومجلس الشورى العسكري.
5. تغيير سلطات الصدر الأعظم وشيخ الإسلام.
6. افتتاح المدارس الرشدية.
كما نرى أن هناك إيمانا كبيرا بحركة التجديد في ميدان المعارف والمؤسسات الدينية والعدلية، فلو لم يؤمن السلطان محمود الثاني بتطوير التعليم والتكنولوجيا والحقوق والقوانين، لبقى مؤيدو النظام التعليمي القديم عقبة أمام التطوير المنشود. ولهذا السبب واجهت التنظيمات والمفاهيم الجديدة معارضة شعبية دعمها رجال الدين، ولكي يستطيع السلطان تنفيذ الإصلاحات لجأ إلى العلماء في تخصصات عديدة، ليتجنب المعارضة من جهة، وليستطيع التوفيق بين فكر الإصلاحيين والمعارضين من جهة أخرى. وإذا تفحصنا مجالات الإصلاح في الحكومة وفي المعرفة بشكل خاص، فإننا نرى الفرق الواضح بين جوهر النظامين القديم والجديد، ورغم الخلاف الذي أورثه هذا الفرق بين الإصلاحيين والعلماء بين عامي (1830-1839م) إلا أن خطواته كانت مهمة للوصول إلى دور التنظيمات16.


وفي عهد السلطان محمود الثاني، وتحديدا في سنة (1254هـ/ 1838م) حدث نوع من التطور في مضمار التربية والتعليم، تمثل بالآتي:17
1- تطوير فكر فرمان سنة (1240هـ/ 1824م) أو السير على تنفيذه.
2- إنشاء مجلس أمور النافعة (الشغال)، الذي أشرف على تنفيذ الخطط الاستشارية في هذا المجال. وتكمن الوظيفة الحقيقية لهذا المجلس في الإشراف على العمارة، والتطوير، والتنمية في جميع ولايات الدولة العثمانية، والتخطيط لها خارج سلطات نظار (وزراء) الخارجية والداخلية والمالية.
المهم بالنسبة لنا، هو تطوير نظام جديد للتربية والتعليم خارج نطاق المدارس. واسندت المهمة إلى مجالس مختلفة إلى جانب علماء الدين. وهكذا فقد تحرر نظام التعليم من سلطة المدارس الدينية، وهكذا بدا الخضوع لتجربة جديدة في الدولة. فمثلا نجد أن التقرير الذي قدمه مجلس أمور النافعة في سنة (1254هـ/ 1838م)، قد بحث مسألة فتح مدارس جديدة، ووضع الأساس لنظام تعليمي وتربوي خارج نطاق المدرسة، وتبنى مجلس أمور النافعة هذه البرامج وتطويرها18 وبهذه الخطوة ربطت المؤسسات التعليمية في الدولة بالحكومة المركزية. ونستطيع القول، إنها خطوة أولية لإبراز المؤسسة التربوية كأحد أهم مؤسسات الدولة الأخرى.
ويتضح مما سبق، أن هناك تطورا قد حصل على المصطلحات وتجديدها، وأصبح هناك مصطلح معارف، فن، نافعة وغيرها، ثم تطورت هذه المفاهيم فيما بعد من حيث التجديد والانتشار. على العكس من ذلك، فقد تحدد أو انكمش مفهوم العلماء والمدارس في القواميس فيما بعد، واقتصرت على المفاهيم الدينية كالقرآن والسنة والقياس والإجماع والعلوم النقلية، وأصبح مجالها محصورا فقط في المدرسة. إذ ابتعدت المدارس عن العلوم الجديدة والتكنولوجية. ونرى بعد سنة (1242هـ/ 1826م) ظهور مفهوم (فن) بدل (علم) هذا يقصد به العلوم الحديثة. ومع الزمن، اتسعت الهوة بين مفهوم الفن والعلم، فظهر مصطلح (منور أو متنور)، ويعني العالم في مجال العلم الحديثة19.
وعودة إلى التقرير الذي صدر عن مجلس أمور النافعة فيما يخص مسائل التعليم، فإننا نرى كثيرا من التجديدات في هذا المجال، من حيث الأفكار الإصلاحية الجديدة والمؤسسات الجديدة.

ISSN: 1110-323X