المستخلص: |
كثيراً ما نردد بحق أن اللغة مستودع الأفكار ومرآة الحضارة. فهي تستوعب ثقافة الأمة وتعكس فكرها ورؤيتها للعالم المحيط بأشيائه ومفاهيمه. وقد عدت اللغة منذ أفلاطون مجرد وعاء لفظي يستبطنُه المحمول الفكري، والكلمات مجرد أغلفة تستخدم للقبض على الفكرة والتعبير عنها. لكن القول بأن اللغة وعاء الفكر ومرآتُه، إنما يوحي بوجود علاقة أحادية الجانب تربط الفكر باللغة، علاقةٍ تكون فيها اللغة منفعلة بالفكر لا فاعلة فيه، فالمرآة تعكس ولا تكون، والإناء ينضح عادة بما فيه، ونادراً ما يبدل في طعمه أو لونه أو رائحته. هدفت هذه الدراسة إلى تبيان أن العلاقة بين اللغة والفكر ليست علاقة أحادية الجانب، بل هي علاقة جدلية فيها التأثر والتأثير، والانفعال والفعل. بمعنى أن اللغة ليست مجرد وعاء للفكر تعكس أنماط الفكر وتطوره أو محدوديته وقصوره، بل هي فاعلة في الفكر ومحرك له، تحّفز على تبديل الأنماط الفكرية والسلوكية، فإن اغتنت تطور الفكر وإن حدت وفقرت قصر الفكر وعجز عن مواكبة العصر وأساليبه، فيؤدي تقوقعه إلى نضوب معينه. وهنا تبرز الترجمة أداة من أدوات التطوير والإثراء اللغوي، وعنصراً حاسماً من عناصر التنمية الفكرية، لا بل إحدى أدوات مشروعنا النهضوي الذي يقتضي إنجازه تطوير اللسان العربي الجامع للأمة. ونحن إذ نعيش عقد التنمية الذي دعت إليه اليونسكو، لا بد لنا من إبراز دور المترجمين والتراجمة والمصطلحيين في عملية التنمية الفكرية والبشرية. لذا فإن بحثنا هذا، وبعد مقدمة نظرية في علاقة اللغة بالفكر، سيقتصر على تناول أثر الترجمة في التنمية الفكرية وانعكاسات ذلك على التنمية الإدارية، عبر أمثلة عملية استقيناها على الأخص من لغة الإدارة.
|